الخميس، 1 مارس 2012

فاعلم أنه لا إله إلا الله


بسم الله الرحمن الرحيم

فاعلم أنه لا إله إلا الله

بقلم: خالد بن عبد الرحمن

يقول الله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله) وهذه الآية تتضمن أمراً واضحاً بأن يعلم الإنسان هذه الحقيقة علماً لا أن يحفظها فقط أو يفسر معناها فقط بل عليه أن يعلم حقيقتها..

والعلم هو إدراك الشيء على حقيقته كما هو في الواقع.. ولذلك فإن التصورات والخيالات والأوهام ليست علماً.. ولا يجوز البناء عليها ولا اتخاذ أي قرار أو بناء حكم على أساسها..

فكيف نعلم أنه (لا إله إلا الله)؟!

إن الأمر يسير على من يسره الله تعالى عليه.. ولو أن كل إنسان التزم الحقائق فقط.. والتزم الحقوق فقط فإنه سيكون بذلك قائماً بعلم بمعنى لا إله إلا الله..

ما معنى لا إله إلا الله؟

هذه الكلمة تعني نفي صفة (الإلهة) عن غير الله تعالى الذي خلق كل شيء وهو على كل شيء وكيل..

فما هي الإلهة؟! وما معنى (الإله)؟!

الإله هو الذي له الأمر لذاته خالصاً له ليس له فيه شريك ولا ينازعه فيه غيره..

وهذه الصفة لا تنطبق إلا على واحد لا شريك له ولا إله سواه وهو الله تعالى..

فكل ما عدا الله تعالى مملوك لله تعالى هو الذي اوجده وهو الذي يفنيه وهو الذي يتصرف فيه ما بين إيجاده وإفنائه وهو وحده القادر على أي تصرف يريد أو يختار.. فهو الذي يملك كل شيء ملكاً حقيقياً.. وغيره لا يملك شيئاً ملكاً حقيقياً بل يملكه بتمليك الله تعالى إياه وهو وحده القادر على نزعه منه متى شاء.. ولا يستطيع أحد أن يمنع ذلك عنه.. ولا يستطيع أحد أن يضمن شيئاً من ذلك..

فكل إنسان يرى من نفسه أنه لا يملك من أمره شيئاً فيعلم أنه ولد بغير إرادته وأنه يموت بغير إرادته وأن تصريفات القدر تجري عليه دون إرادته فيما بين خلقه إلى وفاته.. فهو يمرض دون إرادته ويقع ويتعثر ويخدش ويجرح ويتمزق ثوبه ويصاب بالهم والغم...الخ دون إرادته فلو كان يملك من أمره شيئاً لما حدث له ما لا يحب..

وكذلك فإننا نرى كثيراً من الناس يعمون بعد بصر ويصمون بعد سمع ويشلون بعد أن لم يكونوا كذلك.. وهكذا فلو أن إنساناً يملك من أمره شيئاً لما أصابه ما لا يحب..

وكذلك يرى كل إنسان أنه لا يملك غيره من الخلق حتى ابنه.. ويرى أن ابنه يمرض ويسقم وقد يموت دون أن يستطيع فعل شيء له..

كل هذا يؤكد أنه لا أحد يملك شيئاً وانه من ثم لا يستطيع ضمان قدرته على التصرف فيه كيف يحب أو أن يتحكم فيه..

وهذا كله شيء محسوس ملموس مشاهد على أرض الواقع يشاهده كل إنسان في نفسه..

وغني عن البيان أن كل إنسان يرى نفسه أعجز وأعجز عن أن يتصرف في الخلق كله أو بعضه..

إذا فهم الإنسان هذا فهم معنى ("لاإله") من الكلمة الطيبة (لاإله إلاالله) فيفهم أنه لا شيء له مطلقاً.. وأن أي شيء يعطاه فهو منة من غيره وليس له فيه يد فسمعه وبصره وشعره ولسانه ومعدته وصحته وعافيته وعضلاته وحركاته وسكناته...الخ الخ الخ كل ذلك ليس له..

وما أجمل ما قاله بعض المشايخ: إن من يريد أن يفهم ("لاإله" "إلاالله") فإنه إذا وقع بصره أو سمعه أو حسه على شيء فليقل بلسانه ويكرر: (هذا ليس لي) حتى يعتاد على هذا الأمر.. ويختلط بفكره وبلحمه ودمه وعندئذ سيفهم هذه الكلمة الطيبة فهماً صحيحاً دقيقاً..

ما معنى أنه لا شيء لك مطلقاً؟!

ومعنى أنه لا شيء لك مطلقاً أي أنه ليس من حقك أن تزعم أن لك أن تستخدم شيئاً أو تتصرف في شيء كما يحلو لك بل لا بد من استئذان صاحب هذا الشيء!

ولتبدأ بنفسك فتعلم أنه ليس من حقك استخدام شيء من الحواس أو الأجهزة أو الآلات التي ركبها الله تعالى لك (من بصر وسمع وشهوة وكلام...الخ) كما يحلو لك بل لا بد من إذن ممن خلقها وركبها..

فليس من حقك أن تنظر إلى أي شيء تشاء حتى تعلم إذن الله تعالى بذلك وإذا علمت أن الله تعالى حرم عليك النظر إلى شيء فإنك تمتنع لأن الله تعالى منعك دون أن تناقش لأنك تعلم علماً متحققاً أن البصر ليس لك وأنه لله تعالى وأنت تعلم انه قادر على أن يذهب به وأنت تعلم أنه ليست لديك الضمانات للحفاظ على هذا البصر لا من نفسك ولا من غيرك وإلا فمن الذي يستطيع أن يعيد بصرك إن ذهب الله تعالى به؟!..

وكذلك ليس من حقك أن تستمع إلى شيء حرم الله تعالى عليك سماعه لأن أذنك ملك لله تعالى وليست ملكاً لك..

ومثل ذلك ليس لك أن تستخدم شهوتك فيما علمت أن الله تعالى حرمه... الخ..

وينطبق الأمر على غيرك من المخلوقات الخارجة عنك كالإنسان والحيوان والنبات وكل المخلوقات فإنه ليس لك أن تتصرف في شيء منها دون إذن أو أمر ممن يملكها ملكا حقيقياً وهو الله تعالى..

فليس من حقك التصرف تجاه أي إنسان إلا بما أذن الله تعالى لك.. وإذا علمت أن الله تعالى حرم عليك قتل المسلم أو ضربه أو إيذاءه فإنك تمتنع عن ذلك لمجرد أن أمرك الله تعالى بذلك لعلمك بأن أحداً من البشر ليس ملكاص لك إلا إذا ملكك الله تعالى إياه.. وعندها تخضع أيضاً للحدود التي حدها الله تعالى لك في التعامل معه..

كما أنه إذا حرم الله تعالى شيئاً من أكل أو شرب أو غيرهما فإنك تعلم أن هذه الأشياء ليست لك وليس من حقك أن تتعاطاها ما دام صاحب الأمر لم يأذن لك بذلك..

وهكذا في كل شيء..

كما أنك إذا اشتبهت في شيء فإنك تعلم أنه ليس ملكاً لك فتجتنبه خوف أن يكون الذي له الأمر سبحانه لم يأذن لك بتعاطيه أو التصرف فيه..

وفي المقابل فإنك تعلم أن الله تعالى هو الذي له كل شيء مطلقاً.. فإذا نظرت إلى أي شيء أو وقع حسك على أي شيء فإنك تقول بلسانك وبحالك وبعقلك وبفكرك وبكل جوارحك: (هذا لله).. حتى تختلط هذه الكلمة بعظمك ولحمك وتصبح بدهية البدهيات لديك..

ما معنى أن كل شيء لله تعالى:

معنى أن كل شيء لله تعالى: أي أن كل شيء خاضع حقيقة لله تعالى فهو سبحانه يملك زمامه وأمر كل شيء بيده وأنه وحده الذي له الحق في التصرف فيه مطلقاً..

فالله تعالى له أن يحييك متى شاء وكيف شاء ويخلقك على أي صورة شاء.. فله أن يخلق إنساناً على صورة والآخر على صورة أخرى وله أن يتصرف فيك كيف يشاء وله أن يميتك متى شاء وبالطريقة التي يشاء.. وهذا الحق المطلق له بذاته سبحانه وتعالى..

كما أن من حق الله تعالى أن يأمر بما شاء وينهى عما يشاء.. بمطلق حقه سبحانه في ملكه أن يبيح منه ما شاء ويلزم منه بما يشاء ويمنع منه ما يشاء..

ثم إن لله تعالى أن يثيب من يمتثل أمره ونهيه وله أن لا يثيب..

فإذا لم يثب فهذا حق مطلق له.. وإذا أثاب فهو الذي يحدد الثواب ومقداره وشكله في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما..

وله سبحانه أن يعاقب من لا يمتثل لأمره وله أن لا يعاقب.. فإذا لم يعاقب فهذا حقه المطلق وإذا عاقب فهو حقه وهو الذي يحدد العقاب ونوعه وشكله وطريقته ووقته وحاله...الخ

فله أن يعاقب في الدنيا -قدراً (بتسليط المصائب) أو شرعاً بأن يأمر عباده بعقابه بقتله أو قطع أو ضرب أو أخذ مال- وله أن يعاقب في الآخرة أو في الدنيا والآخرة معاً..

وغني عن البيان أنه ليس من حق أحد أن يتدخل في أمر الله تعالى فيقرر عقاباً من عنده أو يعفو من عنده.. فإذا أمر الله تعالى بقطع يد السارق فقد وجب قطعها ونحن نعلم أن يد السارق وجسمه كله ملك لله تعالى ولله تعالى أن يأمر بقطع ما شاء منه حتى بدون سبب ظاهر لنا..

وإذا لم يأمر الله تعالى بشيء تجاه هذا المذنب فإنه ليس من حقنا أن نزيد على حكم الله تعالى من عند أنفسنا فالأمر كله لله تعالى وهو يحكم ما يريد وليس لنا إلا أن نخضع لإرادته سبحانه..

يتبع إن شاء الله..

ليست هناك تعليقات: